الحدادية تتسقط الآثار الواهية والأصول الفاسدة
وهدفها من ذلك تضليل أهل السنة السابقين واللاحقين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فقد اطلعتُ على مقال لأبي عاصم عبد الله بن صوان الغامدي بعنوان: " تصحيح حديث عبد الله بن شقيق"، يدافع فيه عن أثر عبد الله بن شقيق متغافلاً عن ما بنى عليه الحداديون من تضليل وتبديع لأهل الحديث والسنة وأئمتهم.
فهم على منهج الحدادية الباطل طائفتان:
الأولى مرجئة، والثانية جهمية، كما في تعليقات عادل آل حمدان على بعض كتب أهل السنة، ولما رددنا باطله دافع عنه الحدادية في موقعهم المسمى بـ"الأثري"، فهم راضون عن صنيعه.
وأما وصفهم السلفيين بالجهمية فسيأتي في مقال بعد هذا المقال.
أقول هذه نصيحة لأبي عاصم ومن كان على شاكلته من المخدوعين بهذه الفئة الباغية على المنهج السلفي وعلمائه من علماء الحديث والسنة.
فعسى أن يستيقظ أبو عاصم وأمثاله من المخدوعين فيربئوا بأنفسهم عن مجاراة هؤلاء المبطلين، بل عسى أن يشمروا عن ساعد الجد للذب عن السلف الكرام وإهانة من يتطاول عليهم.
تابع قراءة المقال في المشاركات القادمة...
تحميل المقال بصيغة
DOC
http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=24311&d=1352933023تعريف بالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن باز ولد في ذي الحجة سنة 1330هـ بمدينة الرياض، كان بصيرا ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346هـ وضعف بصره ثم فقده عام 1350هـ، حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1350هـ ، لازم البحث والتدريس ليل نهار ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم، توفي رحمه الله قبيل فجر الخميس 27/1/1420هـ.
مناقشة أقوال أبي عاصم
أولاً- قال أبو عاصم الغامدي في (ص1):
"الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد : فقد قرأت مؤخرا تحقيقا للشيخ ربيع بن هادي لأثر عبد الله بن شقيق العقيلي في حكم تارك الصلاة وقد ضعفه سندا ومتنا وهذا خلاف ما أعلمه من صحة الأثر وما قرأته من استدلالات العلماء به في مصنفاتهم دون نكير ، فقمت بدراسته فكانت هذه نتيجة الدراسة أسأل الله أن ينفع به.
عن عبد الله بن شقيق العقيلي ، قال : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ".
رواه الترمذي في سننه: (رقم : 2667) بسنده عن قتيبة قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن الجريري ، به .. بلفظه. والمروزي في كتابه: (تعظيم قدر الصلاة، رقم: 830) من طريق: محمد بن عبيد بن حساب ، وحميد بن مسعدة ، قالا : حدثنا بشر بن المفضل ، به .. ولفظه: "لم يكن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة". وفي سنده: الجريري ، بضم الجيم، وهُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ الْخَامِسَةِ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِ سِنِينَ ، مات سنة أربع وأربعين ومائة روى له الستة، والراوي عن الجريري هو: بشر بن المفضل ، وقد سمع منه قبل الاختلاط".
أقول:
1- إن العلماء الذين استدلوا بأثر عبد الله بن شقيق لم يطلعوا على ما يدل على ضعفه سنداً ومتناً، ولو اطلعوا على ما يدل على ضعفه لما احتجوا به، والدال على ضعفه رواية إسماعيل بن علية ولفظها: " ما علمنا شيئا من الأعمال قيل : تركه كفر ، إلا الصلاة "، رواه الخلال في "السنة"(4/144) رقم (137.
فأين ذكر الصحابة وإجماعهم في هذه الرواية الصحيحة؟، وأين تكفيرهم لتارك الصلاة؟
2- ذكرتُ في بحثي السابق([1]) في (ص21) أن الترمذي روى هذا الحديث، لكنه لم يحكم له بصحة ولا حُسن، ولو كان صحيحاً عنده أو حسناً لصرّح بذلك، والظاهر أنه إنما سكت عن الحكم له بالصحة أو الحُسن لتوقفه في رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
3- قال ابن أبي شيبة في "مصنفه" حديث (30960):
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : كَانَ يُقَالَ : لاَ يَدْخُلُ النَّارَ إنْسَانٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ.
فهذا على منهجكم يفيد الإجماع، فيصير الصحابة والتابعون في اختلاف وتناقض، وسبب ذلك الغلو في دعاوى الإجماع، وحاشا الصحابة والتابعين من هذا التناقض المزعوم.
تعريف بالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن باز ولد في ذي الحجة سنة 1330هـ بمدينة الرياض، كان بصيرا ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346هـ وضعف بصره ثم فقده عام 1350هـ، حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1350هـ ، لازم البحث والتدريس ليل نهار ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم، توفي رحمه الله قبيل فجر الخميس 27/1/1420هـ.
انياً- قال أبو عاصم في (ص1):
" قال ابن عدي في الكامل (4/444): " ثنا أَحْمَد بْن علي المدائني , ثَنَا الليث بْن عبدة , قَالَ يحيى بْن معين: قَالَ عيسى بْن يونس : نهاني عن الجريري فتى بالبصرة , قَالَ يحيى : يريد يحيى القطان.قال كهمس الذي بينه وبينه شيء فكان يقول : اختلط قبل الطاعون , والطاعون كان سنة اثنتين وثلاثين , ومات أيوب زمن الطاعون.قَالَ : والجريري أكبر من أيوب , وأكبر من خالد , قَالَ له ابْن أبي مريم : فمن سمع عنه قبل الاختلاط ؟ قَالَ : إسماعيل , وبشر بْن المفضل , والثوري." ، وقد أكد سماع بشر بن المفضل من الجريري ابن رجب وابن حجر ، قال ابن رجب في شرح العلل: (2/180): " وممن سمع منه قبل أن يختلط الثوري وابن علية وبشر بن المفضل " ، وقال ابن حجر في هدي الساري (1/405): "..وما أخرج البخاري من حديثه –أي : الجريري- إلا عن عبد الأعلى وعبد الوارث وبشر بن المفضل ، وهؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط..".
أقول:
1- في إسناد ابن عدي هذا ابن أبي مريم يحتمل أن يكون هو أبو بكر الغساني الشامي، وهو ضعيف من السابعة، ويحتمل أن يكون يزيد بن أبي مريم الأنصاري لا بأس به، من السادسة.
2- وكهمس هو ابن المنهال السدوسي، قال ابن أبي حاتم: "محله الصدق، يكتب حديثه، أدخله البخاري في الضعفاء فيحول عنه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان يقول بالقدر روى له البخاري حديثاً واحداً في مناقب عمر مقروناً بغيره.
قال الحافظ: وقال الساجي كان قدرياً ضعيفاً لم يحدث عنه الثقات" ، "تهذيب التهذيب" (8/451).
وقال الذهبي: " كهمس بن المنهال [ خ - مقرونا ].
عن سعيد بن أبي عروبة.
اتهم بالقدر.
وله حديث منكر أدخله من أجله البخاري في كتاب الضعفاء.
وقال أبو حاتم: محله الصدق" ، "الميزان" (3/416).
3- والليث بن عبدة لم أقف له على ترجمة، بعد بحث في عدد من كتب الرجال.
وإسناد هذا حاله لا يعتمد عليه.
أما حكم الحافِظَين ابن رجب وابن حجر، فالظاهر أن هذا بناء منهما على رواية البخاري في "صحيحه" عن بشر عن الجريري، أو تساهل منهما كما يتساهل كثير من المحدثين في أحاديث الترغيب والترهيب.
وقد أسلفتُ في البحث السابق([2]) في هذا الموضوع (ص21) أن الإمام البخاري لم يرو عن بشر بن المفضل عن الجريري إلا حديثاً واحداً؛ لأن له متابعاً، وهو إسماعيل بن علية، كرر البخاري هذا الحديث في ثلاثة مواضع، يذكر في موضعين منها متابعة إسماعيل بن علية لِبشر، ولم يرو مسلم بهذا الإسناد إلا حديثاً واحداً لبشر له فيه متابعات، والظاهر أن هذا العمل منهما ما كان إلا بسبب اعتقادهما أن بشراً غير أهل للاحتجاج به فيما يرويه عن الجريري؛ لأنه لم يرو عنه إلا بعد الاختلاط.
تعريف بالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن باز ولد في ذي الحجة سنة 1330هـ بمدينة الرياض، كان بصيرا ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346هـ وضعف بصره ثم فقده عام 1350هـ، حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1350هـ ، لازم البحث والتدريس ليل نهار ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم، توفي رحمه الله قبيل فجر الخميس 27/1/1420هـ.
لثاً- قال أبو عاصم في (ص1-2):
" قلت : وقد توبع بشر بن المفضل ، تابعه عبد الأعلى ، عن الجريري عند ابن أبي شيبة في المصنف (برقم :29851)رواه بسنده عنه ، عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ولفظه : " ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة " قال : " كانوا يقولون : تركها كفر " وفي كتاب الإيمان : برقم ( 133 )، قال العجلي في الثقات (1/181) : "وعبد الأعلى من أصحهم سماعًا، سمع منه قبل أن يختلط بثمان سنين" ، وكذا تابعه إسماعيل بن علية عند الخلال في كتاب (السنة ، رقم : 1402)من طريق : أبي عبد الله ، قال : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : ثنا الجريري ، به .. ولفظه :" ما علمنا شيئا من الأعمال قيل : تركه كفر ، إلا الصلاة"".
أقول:
قد بيّنا في البحث السابق في هذا الموضوع:
1- أن عبد الله بن شقيق ما روى إلا عن عدد قليل من الصحابة، مما يبطل دعوى الإجماع.
2- وأن بشر بن المفضل لم يسمع من الجريري إلا بعد الاختلاط، فإن صحَّ أنه سمع منه قبل الاختلاط، فيحتمل أنه سمع هذا الأثر بعد الاختلاط احتمالاً قوياً، أو يكون قد وهم فيه.
ومما يدل على هذا أن إسماعيل بن علية قد رواه بنص يخالف نص رواية بشر.
فرواية بشر نصها: "لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".
ونص رواية إسماعيل بن علية: "ما علمنا شيئا من الأعمال قيل : تركه كفر ، إلا الصلاة ".
والفرق بينهما واضح جداً عند المنصفين.
واعتبار رواية إسماعيل بن علية موافقة ومتابعة لرواية بشر من المكابرات.
فرواية بشر بن المفضل تُسنِد التكفير إلى الصحابة، بلفظ يوهم إجماعهم على هذا التكفير.
بينما رواية إسماعيل لا تُسند هذا التكفير إلى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا من قريب، ولا من بعيد.
وقوله: "قيل" يحتمل أن القائلين غير أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم-.
ويحتمل أن القائل واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو من التابعين، فإن عبد الله بن شقيق قد روى عن بعض التابعين، راجع "تهذيب الكمال" (15/90).
وكذا رواية عبد الأعلى فيها مخالفة لرواية بشر بن المفضل.
فلا يجوز الجزم بأن قائليها هم الصحابة، وهي تقوي رواية إسماعيل بن علية، لا رواية بشر بن المفضل.
والذين صححوا رواية بشر لو اطلعوا على روايتي إسماعيل بن علية وعبد الأعلى لكان لهم موقف حازم منها.
وأزيد لو اطلعوا عليهما لأعلّوا بهما رواية بشر على طريقة أئمة الحديث.
ويحتمل أن بعضهم يعرف ضعف رواية بشر، ولكنه يتساهل في قبولها على طريقة كثير من أهل الحديث في التساهل في روايات الترغيب والترهيب.
بعاً- قال أبو عاصم في (ص2):
" وقد صححه بعض العلماء ومنهم : الحاكم كما تقدم ذكره عنه ، ونقله عنه الشنقيطي في أضواء البيان (4/515) ، وصححه النووي في خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام : ( 1/245) وفي المجموع : (3/3 ) وفي رياض الصالحين (314) والزيلعي في : تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف (1/204)قال –بعد ذكره لإسناد الترمذي -: وهؤلاء رجال الصحيح انتهى ، وقال ابن العراقي في طرح التثريب (1/146): رواه الترمذي بسند صحيح ،وصححه السخاوي في الأجوبة المرضية (2/819) ، قال ابن علان في دليل الفالحين (3/69: "(رواه الترمذي فـي كتاب الإيمان) من «جامعه» (بإسناد صحيح) خالف ابن حجر الـهيتمي فقال فـي «شرح الـمشكاة»: وسنده حسن " وقال الألباني في : صحيح الترغيب رقم
565) : " صحيح موقوف".
أقول:
الذين صححوا أثر عبد الله بن شقيق المنسوب إلى الصحابة إنما بنوا تصحيحهم على ظاهر الإسناد، إلى جانب أنهم لم يقفوا على رواية إسماعيل بن علية، ولو وقفوا عليها لما صححوا هذه الرواية التي تواردوا على تصحيحها، هذا ما نعتقده فيهم.
وقوله: " وقد صححه بعض العلماء ومنهم : الحاكم...".
أقول:
أ- إن أثر عبد الله بن شقيق الذي تدافع عنه لم يسنده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وهو عند الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وهذا واحد من الأدلة الدالة على ضعف أثر عبد الله بن شقيق.
فتارة يسند إلى عبد الله بن شقيق وأخرى إلى أبي هريرة.
وتارة يرويه بشر بن المفضل عن الجريري عن ابن شقيق بلفظ.
ويخالفه إسماعيل بن علية فيرويه عن الجريري بلفظ آخر.
ويرويه عبد الأعلى بلفظ مغاير للفظ رواية بشر.
هذا مع احتمال أن بشراً ما روى هذا النص عن الجريري إلا بعد الاختلاط.
فإذا لم يضعف هذا الأثر بهذه الاختلافات في الإسناد والمتن، فلا سبيل إلى تضعيف الأحاديث والآثار الضعيفة والباطلة، ويغلق باب التضعيف والتعليل، كل هذا من أجل هذا الأثر الذي هذا حاله، ولا سيما والحداديون يصححونه ليطعنوا به في أئمة الإسلام والحديث.
ب- أحال أبو عاصم بأثر عبد الله بن شقيق على "رياض الصالحين" للنووي برقم (314)، ولم أجده إلا برقم (1087).
وأحال أبو عاصم تصحيح النووي لأثر عبد الله بن شقيق إلى "المجموع" للنووي (3/3)، فرجعت إلى هذا الموضع فلم أجده فيه.
وإنما وجدته في (3/19) وله حوالات أخرى إلى بعض إلى كتب النووي لم أُراجعها، ومع ذلك فالنووي لم يأخذ به، بل أخذ بنقيضه.
حيث قال في (3/1 من "المجموع": "(فرع) في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا المشهور ما سبق أنه يقتل حداً، ولا يكفر، وبه قال مالك والأكثرون من السلف والخلف. وقالت طائفة يكفر ويجرى عليه أحكام المرتدين في كل شيء، وهو مروي عن علي بن أبي طالب، وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه، وهو أصح الروايتين عن أحمد، وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا كما سبق، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة والمزني لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي".
ثم عقبه بسوق حجج من يكفره وحجج من لا يكفره.
ثم قال في (3/21): "وأما الجواب عما احتج به من كفره من حديث جابر وبريدة ورواية شقيق فهو أن كل ذلك محمول على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده التي ذكرناها، وأما قياسهم فمتروك بالنصوص التي ذكرناها، والجواب عما احتج به أبو حنيفة أنه عام مخصوص بما ذكرناه، وقياسهم لا يقبل مع النصوص، فهذا مختصر ما يتعلق بالمسألة والله أعلم بالصواب".
فقد خالفه النووي فحكى عن مذهبه المشهور أن تارك الصلاة كسلاً ليس بكافر، وحكى ذلك عن مالك والأكثرين من السلف والخلف.
ولو كان يرى أن أثر ابن شقيق يدل على الإجماع فكيف يخالفه ويخالفه الأكثرون من السلف والخلف.
ولم يحك عن المكفرين لتاركي الصلاة أنهم طعنوا فيمن لا يكفره كما يفعل الحدادية المارقة عن منهج السلف المحاربة لأهله.
مساً- قال أبو عاصم في (ص3):
" وقال المروزي : " قال أبو عبد اللـه: أفلا ترى أن تارك الصلاة ليس من أهل ملة الإسلام الذين يرجى لـهم الخروج من النار ودخول الجنة بشفاعة الشافعين كما قال صلى اللـه عليه وسلم في حديث الشفاعة الذي رواه أبو هريرة وأبو سعيد جميعا رضي اللـه عنهما أنهم يخرجون من النار يعرفون بآثار السجود فقد بين لك أن المستحقين للخروج من النار بالشفاعة هم المصلون. أو لا ترى أن اللـه تعالى ميز بين أهل الإيمان وأهل النفاق بالسجود فقال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} وقد ذكرنا الأخبار المروية في تفسير الآية في صدر كتابنا، فقال اللـه تعالى: {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ} ، {وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ} . أفلا تراه جعل علامة ما بين ملة الكفر والإسلام وبين أهل النفاق والإيمان في الدنيا والآخرة الصلاة. " تعظيم قدر الصلاة : ( 2/1010 )".
أقول:
أبو عبد الله هنا هو محمد بن نصر المروزي -رحمه الله-، وهذه زلة منه، غفر الله له.
وأحاديث أبي سعيد وأنس وأبي هريرة -رضي الله عنهم- في الصحيحين تدفع قوله هذا.
1- فقد ورد في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- في الشفاعة أن الشفاعة جاءت لأصناف.
الصنف الأول: المصلون الصائمون القائمون بالحج، فهؤلاء مع قيامهم بهذه الأركان دخلوا النار بذنوب أوبقتهم، فمن لا يقوم بها أشد عذاباً منهم وأشد.
الصنف الثاني: من في قلبه مثقال دينار من خير، فهؤلاء خرجوا من النار بما في قلوبهم من الإيمان وأعمال القلوب، ومنها إخلاصهم في التوحيد.
والصنف الثالث من في قلبه مثقال ذرة من خير، وهذا الخير هو الإيمان مع الإخلاص فيه.
وهذه الأصناف هم من غير أهل الصلاة.
فيقول أبو سعيد للسامعين لحديثه هذا: " إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )".
الصنف الرابع: من قال فيهم -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، بعد هذه المراحل:
"فيقول الله -عزّ وجل-: "شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه([3]).
ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا".
أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (7439)، ومسلم في "صحيحه" حديث (183)، واللفظ له، وأحمد في "المسند" (3/94) وفي تحقيق شعيب (18/394) رقم (1189، والضياء في "المختارة" (2345)، وأخرجه أبو داود الطيالسي برقم (2179)، وأبو عوانة في "مسنده" (1/156) (449) و (1/181-182،185)، وابن منده في "الإيمان" (ص776-779).
2- حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- في الشفاعة.
ومنه يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "... فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمنيه الله ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول أمتي أمتي فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل.
قال معبد بن هلال العنـزي الراوي عن أنس –رضي الله عنه-:
هذا حديث أنس الذي أنبأنا به فخرجنا من عنده فلما كنا بظهر الجبان قلنا لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستخف في دار أبي خليفة قال فدخلنا عليه فسلمنا عليه فقلنا يا أبا سعيد جئنا من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع مثل حديث حدثناه في الشفاعة قال هيه فحدثناه الحديث فقال هيه قلنا ما زادنا قال قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع ولقد ترك شيئا ما أدري أنسي الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا قلنا له حدثنا فضحك وقال: (خلق الإنسان من عجل). ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه.
"ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذاك لك أو قال ليس ذاك إليك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله".
رواه البخاري في "التوحيد" حديث (7510)، ومسلم في كتاب الإيمان حديث (193/326)، وأحمد في "مسنده" (3/116)، وأبو عوانة (1/183-184)، وابن منده (ص820-822)، والضياء في "المختارة" (2345)، وابن خزيمة في "التوحيد" (2/710-711) .
حديث أنس -رضي الله عنه- يفيد أن الشفاعة تتناول أصنافاً.
الصنف الأول: من كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان.
الثاني: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.
الثالث: من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان.
الرابع: صنف يشفع فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم من قال: "لا إله إلا الله"، فيقول الله له: " ليس ذاك لك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله ".
فهذه الأصناف من أمة محمد أدخلوا النار بذنوبهم، وأخرجهم الله من النار بشفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
والصنف الأخير أخرجوا بعزة الله وكبريائه وعظمته وجبريائه ورحمته، وذلك بسبب توحيدهم وإيمانهم، وإن كان في نهاية الضعف.
فهذان الحديثان يجمعان بين الترهيب والترغيب؛ الترهيب من الذنوب والعقوبة الشديدة عليها ليرتدع المسلمون عن الذنوب، والترغيب في الإيمان والتوحيد ليكونوا من أهله.
وأعتقد أن أبا عاصم اطلع عل حديثي أبي سعيد وأنس –رضي الله عنهما- من خلال بحثي الذي ردَّ عليه ولكن!!
3- حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجّل كل نبي دعوته، وإني اختبأتُ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً" .
أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (199)، وأحمد في "مسنده" (1/426) ، والترمذي في "سننه" حديث (3602)، وابن ماجه في "سننه" حديث (4307)، والبغوي في "شرح السنة" حديث (1237) .
أضف إلى هذه الأحاديث الصحيحة التي أسلفناها الأحاديث الآتية:
1- حديث عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فتوسد كل رجل منا ذراع راحلته، قال: فاستيقظت فلم أر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت فذهبت أطلبه، فإذا معاذ بن جبل قد أفزعه الذى أفزعني، قال: فبينما نحن كذلك إذا هدير كهدير الرحى بأعلى الوادي، فبينما نحن كذلك إذ جاء النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: أتاني آت من ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، فقلنا: ننشدك الله والصحبة يا رسول الله لما جعلتنا من أهل شفاعتك قال: أنتم من أهل شفاعتي، قال: ثم انطلقنا إلى الناس، فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأتاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنه أتاني آت من ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، قالوا: يا رسول الله، ننشدك الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، قال: فأنتم من أهل شفاعتي، فلما أضبوا عليه، قال: شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا" ، أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (2/641) رقم (385و 386)، والإمام أحمد في "مسنده" (6/2.
2- حديث ابن عباس –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي وَلَا أَقُولُهُنَّ فَخْرًا بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ فَأَخَّرْتُهَا لِأُمَّتِي فَهِيَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا"([4]).
أخرجه أحمد في "مسنده" (1/301)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (32175)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11047).
3- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَاجْتَمَعَ وَرَاءَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْسًا مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، أَمَّا أَنَا فَأُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ عَامَّةً، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا يُرْسَلُ إِلَى قَوْمِهِ، وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَمُلِئَ مِنْهُ رُعْبًا، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ آكُلُهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ أَكْلَهَا، كَانُوا يُحْرِقُونَهَا، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسَاجِدَ وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ، وَالْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ قِيلَ لِي: سَلْ فَإِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ، فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".
رواه أحمد في "مسنده" (2/222) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَمْرِو ابنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ به، وذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/432-433)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (10/367).
4- حديث أبي ذر –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : بعثت إلى الأحمر والأسود وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ونصرت بالرعب فيرعب العدو من مسيرة شهر وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وقيل لي : سل تعطه واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي في القيامة وهي نائلة - إن شاء الله- لمن لم يشرك بالله شيئا )، أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (6462)، والبزار في "مسنده" (4077).
5- حديث أبي موسى –رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أُعْطِيتُ خَمْسًا بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِمَنْ كَانَ قَبْلِي وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ شَهْرًا وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ سَأَلَ شَفَاعَةً وَإِنِّي أَخْبَأْتُ شَفَاعَتِي ثُمَّ جَعَلْتُهَا لِمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا"، أخرجه أحمد في "مسنده" (4/416)، قال: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَن أَبِي بُرْدَةَ عَن أَبِي مُوسَى به، وصححه ابن كثير (6/420)، وأخرجه الروياني في "مسنده" برقم (485) من طريق محمد بن معمر قال: حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل به.
6- حديث أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ".
أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (1237)، ومسلم في "صحيحه" حديث (94).
7- قال الترمذي في "سننه" (4/37:
" باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله
2638- حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن ابن محيريز، عن الصانبحي، عن عبادة بن الصامت أنه قال: دخلت عليه وهو في الموت فبكيت، فقا: مهلاً لم تبكي ؟ فوالله لئن استشهدتُ لأشهدن لك، ولئن شُفِّعت لأشفعن لك، ولئن استطعتُ لأنفعنك، ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثا واحدا، وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرّم الله عليه النار".
وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وجابر وابن عمر وزيد بن خالد قال سمعت ابن أبي عمر يقول سمعت ابن عيينة يقول: محمد بن عجلان كان ثقة مأمونا في الحديث.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
والصنابحي هو عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله، وقد رُوي عن الزهري أنه سئل عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"، فقال: "إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي"([5]).
قال أبو عيسى ووجه هذا الحديث عند أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا بالنار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار".
أقول: هذا هو القول الحق وهو مذهب أهل السنة جميعاً([6])، وهو يجمع بين نصوص الوعد والوعيد، وهو يخالف مذهب الخوارج الذين يتعلقون بنصوص الوعيد فحسب، ويخالف مذهب المرجئة الذين يتعلقون بنصوص الوعد ولا يرفعون رأساً بنصوص الوعيد.
8- قال الإمام مسلم –رحمه الله- في "صحيحه":
حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد (يعني ابن مسلم) عن ابن جابر قال: حدثني عمير بن هانئ قال حدثني جنادة ابن أبي أمية ، حدثنا عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء "، حديث (2.
وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن عمير بن هانئ؛ في هذا الإسناد بمثله غير أنه قال: "أدخله الله الجنة على ما كان من عمل" ولم يذكر "من أي أبواب الجنة الثمانية شاء"، حديث(2.
9- وقال -رحمه الله-:
حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل، قال: يا معاذ، قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ، قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: يا معاذ، قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار، قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا، قال: "إذا يتكلوا" ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثما" حديث (32).
10- وقال -رحمه الله-:
حدثنا سهل بن عثمان وأبو كريب محمد بن العلاء جميعا عن أبي معاوية، قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد (شك الأعمش) قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "افعلوا"، قال: فجاء عمر، فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة، لعل الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم"، قال فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، قال: فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، قال: ويجيء الآخر بكف تمر، قال ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه بالبركة، ثم قال: "خذوا في أوعيتكم"، قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه، قال: فأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة" حديث (27).
11- حديث عَبْد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العاص قال: قال رسول اللَّهِ e : "إن اللَّهَ عَز وجل يَسْتَخْلِصُ رَجُلاً من أمتي على رؤوس الْخَلاَئِقِ يوم الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عليه تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ الْبَصَرِ ثُمَّ يقول أَتُنْكِرُ من هذا شَيْئاً أَظَلَمَتْكَ كتبتي الْحَافِظُونَ قال لاَ يا رَبِّ فيقول أَلَكَ عُذْرٌ أو حَسَنَةٌ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ فيقول لاَ يا رَبِّ فيقول بَلَى إن لك عِنْدَنَا حَسَنَةً وَاحِدَةً لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ فَتُخْرَجُ له بِطَاقَةٌ فيها أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلا الله وان مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فيقول أَحْضِرُوهُ فيقول يا رَبِّ ما هذه الْبِطَاقَةُ مع هذه السِّجِلاَّتِ فَيُقَالُ انك لاَ تُظْلَمُ قال فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ في كَفَّةٍ قال فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ وَلاَ يَثْقُلُ شيء بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ".
أخرجه أحمد (2/213)، والترمذي حديث (2639)، وابن ماجه حديث (4300)، وابن حبان (225)، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب" ، وليس كما قال، فإسناده صحيح، وقد صححه الحاكم والذهبي والألباني، انظر الصحيحة (135).
وكل هذه الأحاديث تدل على أن الشفاعة تتناول كل موحد لم يشرك بالله شيئاً.
فالحدادية لا يرفعون رأساً بهذه الأحاديث التي تبلغ درجة التواتر، ويتعلقون بالآثار الواهية، نسأل الله الثبات على الحق والعافية.
ادساً- قال أبو عاصم في (ص3-4):
" وقال ابن بطة : " حدثنا أبو العباس عبد الله بن عبد الرحمن العسكري , ختن زكريا قال: نا الحسن بن سلام , قال: نا أبو عبد الرحمن المقرئ , قال: نا سعيد بن أبي أيوب , قال: حدثني كعب بن علقمة , عن عيسى بن هلال الصدفي([7]) , عن عبد الله بن عمرو , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما , فقال: من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة , ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة , ويأتي يوم القيامة مع قارون , وفرعون , وهامان , وأبي بن خلف".
قال الشيخ عبيد الله بن محمد: فهذه الأخبار والآثار والسنن عن النبي والصحابة والتابعين كلها تدل العقلاء ومن كان بقلبه أدنى حياء على تكفير تارك الصلاة , وجاحد الفرائض , وإخراجه من الملة , وحسبك من ذلك ما نزل به الكتاب , قال الله عز وجل: {حنفاء لله غير مشركين به} [الحج: 31]. ثم وصف الحنفاء والذين هم غير مشركين به , فقال عز وجل: [ص:684] {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة: 5]. فأخبرنا جل ثناؤه , وتقدست أسماؤه أن الحنيف المسلم هو على الدين القيم , وأن الدين القيم هو بإقامة الصلاة , وإيتاء الزكاة , فقال عز وجل: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة: 5]. وقال تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} [التوبة: 11]. فأي بيان رحمكم الله يكون أبين من هذا , وأي دليل على أن الإيمان قول وعمل , وأن الصلاة والزكاة من الإيمان يكون أدل من كتاب الله , وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وإجماع علماء المسلمين , وفقهائهم الذين لا تستوحش القلوب من ذكرهم , بل تطمئن إلى اتباعهم , واقتفاء آثارهم رحمة الله عليهم .. ".
وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/217): " وقال محمد بن نصر المروزيُّ سمعت إسحاق يقول: صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ: أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ كَافِرٌ، وَكَذلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ: أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ عَمْداً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ"".
أقول:
إن ابن بطة نفسه لا يُكفر تارك الصلاة.
فلقد صرّح بذلك الإمام ابن قدامة في كتابه "المغني" (2/331).
وصرّح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (7/610)، وتلميذه الإمام ابن القيم في كتاب "الصلاة" (ص30)، وشمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي في "الشرح الكبير" (3/36) حكى عن ابن بطة أن تارك الصلاة يقتل حداً، وأنه أنكر قول من قال : إنه يكفر، وذكر أن المذهب على هذا لم يجد في المذهب خلافا فيه.
وذكر الشيخ عبد الرحمن بن محمد الأدلة الكثيرة التي تمنع من الحكم عليه بالكفر.
وشهد بذلك العلامة علاء الدين أبو الحسن المرداوي في كتابه "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (3/3 وقال بعد ذكر العلماء الذين يكفرون تارك الصلاة وحكمه.
قال: "والرواية الثانية: يقتل حداً اختاره أبو عبد الله ابن بطة، وأنكر قول من قال : إنه يكفر وقال: المذهب على هذا لم أجد في المذهب خلافه".
ثم ذكر أبو الحسن أن عدداً من العلماء الحنابلة اختاروا هذا ونصوا عليه في مؤلفاتهم. انظر (3/39-40) .
وإني لأخشى أن يكون قول ابن بطة بتكفير تارك الصلاة مدسوساً في كتابه "الإبانة الكبرى".
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب في حاشيته على "المقنع" لابن قدامة ( 1/101- 102):
"قوله: "وهل يقتل حداً أو كفراً؟ فيه روايتان"، إحداهما يقتل لكفره كالمرتد ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وابن عقيل وابن حامد، وبه قال الحسن والنخعي والشعبي والأوزاعي وابن المبارك وإسحاق ومحمد بن الحسن لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" ، رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقال عمر –رضي الله عنه-: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وقال علي -رضي الله عنه-: "من لم يصل فهو كافر"([8]).
وقال عبد الله بن شقيق: "لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".
والرواية الثانية يقتل حداً مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة.
وذكر قول من قال إنه يكفر وذكر أن المذهب على هذا وهو قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله([9])" وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة"، متفق عليهما.
وعن عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة"، ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة إلى غير ذلك، ولأن ذلك إجماع المسلمين فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كفر لثبتت هذه الأحكام. وأما الأحاديث المتقدمة فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة كقوله عليه الصلاة والسلام: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، وقوله: "من حلف بغير الله فقد أشرك" وغير ذلك. قال الموفق: وهذا أصوب القولين".
فهذه عدة شهادات من أكابر العلماء العارفين بمذهب الإمام أحمد وأصحابه على أن العلامة ابن بطة لا يُكفر تارك الصلاة([10]).
1- بل صرّح ابن بطة في "الشرح والإبانة" (ص124-125) بقوله: "ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله، أو برد فريضة من فرائض الله –عزّ وجل- جاحداً بها، فإن تركها تهاوناً أو كسلاً؛ كان في مشيئة الله عز وجل: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".
فظاهر هذا الكلام أنه لا يُكفر إلا بالشرك الأكبر الذي حاربه الأنبياء جميعاً -صلوات الله وسلامه عليهم-.
2- قال الإمام أحمد –رحمه الله-:
" والإيمان قول وعمل يزيد وينقص: زيادته إذا أحسنت، ونقصانه: إذا أسأت. ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها، فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه"، "طبقات الحنابلة" (1/343) رواية مسدد، نشر دار المعرفة.
3- وسئل -رحمه الله-: "ما زيادته ونقصانه؟ قال زيادته العمل، ونقصانه ترك العمل، مثل تركه الصلاة والزكاة والحج، وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال: إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام فكما يزيد كذا ينقص، وقد كان وكيع قال: ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله ؟"، "السنة" للخلال (1/58.
4- وقال البربهاري –رحمه الله- في شرح السنة" (41):
"ولا نُخرج أحداً من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، فإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجبَ عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة".
5- وقال ابن البناء -رحمه الله- في "الرد على المبتدعة" (ص195):
"فصل وشفاعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في أهل الكبائر من أمته خلافاً للقدرية في قولهم: (ليس له شفاعة).
ومن دخل النار عقوبة خرج منها عندنا: بشفاعته، وشفاعة غيره، ورحمة الله عز وجل حتى لا يبقى في النار واحد قال مرة واحدة في دار الدنيا: (لا إله إلا الله) مخلصاً، وآمن به، وإن لم يفعل الطاعات بعد ذلك"([11]).
فما رأي أبي عاصم في أقوال هؤلاء الأئمة الذين لا يُكفرون تارك الصلاة، بل ولا تارك العمل، هل هم من أهل السنة وأئمتهم كما هو رأي أهل السنة، أو هم ضُلّال مرجئة كما يقوله الحداديون؟ ، نريد منه توضيح موقفه.
وقول أبي عاصم: "وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/217): " وقال محمد بن نصر المروزيُّ سمعت إسحاق يقول: صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ: أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ كَافِرٌ، وَكَذلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ: أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ عَمْداً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ".
أقول: قد بيّنتُ في مقالي السابق([12]) أن كلام الإمام إسحاق غير صحيح، وبيّنتُ أن عدداً كثيراً من العلماء قبله ومن معاصريه لا يُكفرون تارك الصلاة.
ابعاً- قال أبو عاصم في (ص 4):
"وقال القرطبي في التفسير (8/73): " وذهبت جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن من ترك صلاة واحدة متعمِّداً حتى يخرج وقتُها لغير عذر، وأبى من أدائها وقضائها وقال لا أُصلي فإنه كافر، ودَمُه ومالُه حلالان، ولا يرثه ورثته من المسلمين، ويستتاب، فإن تاب وإلا قُتل، وحُكْمُ مالِه كحكم مال المرتدّ؛ وهو قول إسحاق. قال إسحاق: وكذلك كان رأي أهل العلم من لَدُن النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلى زماننا هذا"".
أقول:
قول القرطبي: " وذهبت جماعة من الصحابة والتابعين" ، واضح في أنه لم يدّع الإجماع الذي تدّعونه وإن نقل قول إسحاق، ولو كان مقتنعاً بقول إسحاق لما قال : " وذهبت جماعة من الصحابة والتابعين...الخ".