ا يوصف الله تعالى إلا بما في كتابه المبين وبما صحَّ من سنة رسوله الصادق الأمين (الحلقة الأولى)
العلامة ربيع بن هادي المدخلي
لا يوصف الله تعالى إلا بما في كتابه المبين
وبما صحَّ من سنة رسوله الصادق الأمين -صلى الله عليه وسلم-
"الحلقة الأولى من الرد على عادل آل حمدان"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فقد كثرتْ المخالفات لكتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- ولمنهج السلف الصالح وأصولهم المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله من أناس يدّعون أنهم على منهج السلف، وهم ما بين غال يتجاوز حدود منهج السلف، وما بين جاف مقصر تقصيراً شنيعاً في الالتزام بمنهج السلف والتمسك به، وكلهم عن صراط الله المستقيم ناكبون، وعنه شاردون.
ومنهم عادل آل حمدان في تعليقاته على عدد من كتب العقائد، فإنه يتشبث بالأحاديث الضعيفة، بل وببعض الإسرائليات الباطلة، وفي هذا المقال سأناقشه في بعض تعليقاته على كتاب "إثبات الحد لله" لمؤلفه أبي القاسم الدشتي -رحمه الله-.
وقبل هذه المناقشة سأبين للقارئ الكريم وغيره منهج السلف الصالح في قبول الأحاديث في أبواب العقيدة وفي أبواب الحلال والحرام، وأنهم يشترطون صحة الأحاديث في هذه الأبواب، ويحذرون من قبول الأحاديث الضعيفة وتتبعها وروايتها.
وكل مسلم عرف الإسلام يدرك ضرورة التمسك بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه، والتي رواها الثقات العدول الضابطون، وما لها من آثار وعواقب حميدة في الدنيا والآخرة.
ولقد دُوِّنتْ سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدواوين منها الخاصة بالأحاديث الصحيحة كالصحيحين للبخاري ومسلم -رحمهما الله-.
ومنها ما يقاربها مما يجمع بين الصحيح والحسن والضعيف كبقية الكتب الستة، والصحيح لابن خزيمة، والصحيح لابن حبان.
وإذا روى هؤلاء حديثاً ضعيفاً بيّنوا ضعفه، فإن حصلت منهم غفلة أو تساهل فإنه يتولى غيرهم من أهل السنة والحديث بيان ضعفه بالأدلة.
ولقد حذّر الأعلام من الأئمة من رواية الأحاديث الضعيفة والغريبة والمكذوبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
منهم الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- .
قال الإمام أبو القاسم اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (3/502) رقم (777):
"قال حنبل بن إسحاق، قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الله ينـزل إلى السماء الدنيا؟ فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد شيئا منها إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله، ونعلم أن ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق".
وقال الإمام أحمد في "أصول السنة" (ص50) رقم (14):
"والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث الصحاح".
وقال ابن رجب -رحمه الله- في "شرح علل الترمذي" (1/408):
"ونقل علي بن عثمان النفيلي عن أحمد -رحمه الله- قال : (( شر الحديث الغرائب التي لا يُعمل بها ولا يُعتمد عليها )) .
وقال المروذي سمعت أحمد يقول : (( تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب ، ما أقل الفقه فيهم ؟! ))".
وقال ابن رجب في (1/408-409) من "شرح علل الترمذي":
"وقال أحمد بن يحيى سمعت أحمد غير مرة يقول : (( لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء )) .
قال أبو بكر الخطيب : (( أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب عليهم كتب الغريب دون المشهور ، وسماع المنكر دون المعروف ، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من رواية المجروحين والضعفاء ، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنباً ، والثابت مصدوفاً عنه مطرحاً ، وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم ، ونقصان علمهم بالتمييز ، وزهدهم في تعلمه ، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين ، والأعلام من أسلافنا الماضين ))" .
علّق الحافظ ابن رجب في "شرح العلل" (1/409) على كلام الخطيب هذا بقوله:
"وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها ، ويعتني بالأجزاء الغريبة وبمثل مسند البزار ، ومعاجم الطبراني ، أو أفراد الدارقطني ، وهي مجمع الغرائب والمناكير".
هذا وسنأتي إن شاء الله ببعض النقول عن الإمام أحمد –رحمه الله- في هذا الباب ليزداد القارئ بصيرة بالمنهج الحق، وما يقابله من الباطل.
أقول: وروى مسلم في "مقدمة صحيحه" تحذير عدد من الأئمة من الرواة الكذابين والمتهمين والضعفاء.
ومن هؤلاء الأئمة مالك وشعبة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وابن عون، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، حيث قال: "لم نرَ أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث"، قال مسلم: "يجري الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون الكذب".
يعني بذلك أنهم أهل خير، ولكنهم ضعفاء.
وذكر مسلم -أيضاً- من هؤلاء الأئمة الشعبي وإبراهيم النخعي وحمزة الزيات وابن عون وأبو عبد الرحمن السلمي وجرير بن عبد الحميد، ومسعر، وسلام بن أبي مطيع، وحماد بن زيد، وأيوب، وهمام ويونس بن عبيد ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر، وأبو إسحاق الفزاري وأبو نعيم وإسماعيل بن علية ويحيى بن معين وزيد بن أبي أنيسة وعبيد الله ابن عمرو.
ثم قال الإمام مسلم -رحمه الله- بعد سرد أقوال هؤلاء الأئمة في (ص28) من "مقدمة صحيحه":
"وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي رواة الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثير، يطول الكتاب بذكره على استقصائه وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا، وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره، ممن جهل معرفته، كان آثما بفعله ذلك، غاشا لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها، أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب، لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع.
ولا أحسب كثيرا ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها من التوهن والضعف إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام، ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألّف من العدد.
ومن ذهب في العلم هذا المذهب، وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه، وكان بأن يسمى جاهلا أولى من أن ينسب إلى علم"اهـ.
هذا ولأئمة السنة جهود عظيمة في حماية السنة النبوية والحفاظ عليها وتأليف المؤلفات في الرجال الذين تصدوا لرواياتها.
فألّفوا كتباً في الثقات؛ كـ"الثقات لابن حبان"، و"الثقات" للعجلي، على تساهل فيهما، و"الثقات" لابن شاهين.
وألّفوا كتباً في الضعفاء والمبتدعة والكذابين.
كـ"الضعفاء" للبخاري، و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي و"المجروحين" لابن حبان، و"الضعفاء" لابن عدي وللدارقطني.
وفي الوضاعين، مثل كتاب "الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث" لبرهان الدين الحلبي.
وكتباً تجمع بين الرواة ثقاتهم وضعفائهم.
كـ"التأريخ" للبخاري، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم.
ولهم مؤلفات في بيان علل الأحاديث، كـ"العلل" للإمام أحمد، الذي جمعه الخلال، وكـ"العلل" لابن المديني، و"العلل" لأبي زرعة وأبي حاتم.
و"العلل" للدارقطني، و"العلل المتناهية" لابن الجوزي، وغيرها من المؤلفات في هذا الباب.
وألّفوا في الموضوعات المكذوبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
كـ"الموضوعات" لابن الجوزي، و"الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي" لمحمد بن محمد الحسيني الطرابلسي، و"الفوائد المجموعة" للشوكاني.
هذه مقدمة مهمة ندلف منها إلى مناقشة بعض الأحاديث التي أوردها أبو القاسم الدشتي -رحمه الله- في كتابه "إثبات الحد لله"، مع مناقشة بعض التعليقات على كتابه، تلكم التعليقات التي قام بها المحققان لهذا الكتاب، وهما عادل آل حمدان ورفيقه أبو معاذ، وتعليقاتهما هي المقصودة في الدرجة الأولى، هذا وفي اعتقادي أن المشكلات إنما هي من عمل عادل.
قال أبو محمد الدشتي -رحمه الله- في كتابه "إثبات الحد لله -عز وجل-" (ص183-186):
" أخبرنا أبو الفضل إسماعيل بن أحمد العراقي -فيما كتب لنا- قال: أنبأنا الإمام الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصبهاني، أنا أبو غالب أحمد بن العباس الكوشيذي، أنا أبو بكر بن ريذة، أنا الإمام الحافظ أبو القاسم الطبراني، نا جعفر ابن سليمان النوفلي وأحمد بن رشدين المصري وأحمد بن داود المكي، قالوا: نا إبراهيم بن المنذر الحزامي، نا محمد بن فليح بن سليمان، عن أبيه، عن سعيد بن الحارث عن عبيدالله ابن حُنَيْنٍ قال:
بينا أنا جالس إذ جاءني قتادة بن النعمان -رضي الله عنه- فقال:
انطلق بنا يا ابن حنين إلى أبي سعيد الخدري، فإني قد أُخبرت أنه قد اشتكى. فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد، فوجدناه مستلقياً رافعاً رجله اليمنى على اليسرى، فسلمنا، وجلسنا. فرفع قتادة بن النعمان يده إلى رِجْلِ أبي سعيد فَقَرَصَهَا قَرْصَةً شديدةً فقال أبو سعيد: سبحان الله، يا ابن أم أوجعتني. فقال له: ذاك أردت. إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى، فوضع إحدى رجليه على الأخرى، وقال: لا ينبغي لأحد من خلقه أن يفعل هذا)) فقال أبو سعيد: لا جرم، والله لا أفعله أبداً.
قال أبو موسى: رواه ابن الأصفر([1])، عن إبراهيم، عن محمد بن فليح، عن أبيه، عن سالم أبي النضر، عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن قتادة -رضي الله عنه- .
ورواه محمد بن المبارك الصوري، عن إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح، عن أبيه، عن سالم أبي النضر, عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد كلاهما عن قتادة -رضي الله عنه-.
ورواه عن قتادة أيضاً سوى عبيد بن حنين وأبي الحُبَابِ وبُسْرِ بن سعيدٍ: عبيدالله ابن عبدالله بن عتبة.
ورواه عن إبراهيم بن المنذر: محمد بن إسحاق الصّاغاني، ومحمد بن المصفى، ومحمد بن المبارك الصوري، وجعفر بن سلمان النوفلي، وأحمد بن رشدين، وأحمد بن داود المكي، وابن الأصفر وغيرهم.
وحدّث به من الحفاظ: عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي عاصم، وأبو القاسم الطبراني.
وأورده أبو عبد الله بن منده، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة".
ورُوي عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- أيضاً مرفوعاً.
ورُوي عن عبد الله بن عباس، وكعب بن عجرة -رضي الله عنهم- موقوفاً، وعن كعب الأحبار أيضاً.
ورُوي عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) [سورة طه:5] هذا المعنى.
ورواةُ هذا الحديث من طريق قتادة وشداد -رضي الله عنهما- عامتهم من رجال الصحيح".
أقول مستعيناً بالله:
1- أبو موسى المديني على علمه وحفظه ومكانته يعد من المتساهلين، قال الحافظ الذهبي-رحمه الله- في "تذكرة الحفاظ" (4/1335) في ترجمة أبي موسى: "ومن تصانيفه: كتاب "معرفة الصحابة"، الذي استدرك به على أبي نعيم الحافظ، وكتاب "الطوالات" جودها ولم يسبق إلى مثلها، مع كثرة ما فيها من الواهي والموضوع...".
2- لم يذكر أبو موسى -رحمه الله- أسانيده إلى الرواة عن إبراهيم بن المنذر؛ من ابن الأصفر إلى محمد بن إسحاق الصاغاني ومن معه، وبينه وبينهم مفاوز تنقطع دونها أعناق الإبل، وهذا يدل على تساهل أبي موسى -رحمه الله-.
قال ابن سيرين –رحمه الله-:
" إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم"، "مقدمة صحيح مسلم" (ص14).
وقال ابن المبارك –رحمه الله-: " الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".
وقال ابن المبارك -أيضاً-: " بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد"، "مقدمة صحيح مسلم" (ص15).
3- في إسناد حديث قتادة بن النعمان هذا ضعف، وفي متنه نكارة شديدة.
أما ضعف الإسناد فمن جهتين:
أولاهما- أن في إسناده محمد بن فليح بن سليمان عن أبيه، وفيهما ضعف.
فمحمد، قال فيه الحافظ ابن حجر: "صدوق، يهم".
وقال الذهبي في "الكاشف": ليّنه ابن معين".
وفي "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (8/59) بإسناده إلى معاوية بن صالح قال: سمعت يحيى بن معين يقول: "فليح بن سليمان ليس بثقة ولا ابنه".
وأما فليح فقد تقدم كلام ابن معين فيه وفي ابنه.
وقال الحافظ الذهبي في ترجمته في "الكاشف": قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي ليس بالقوي".
وفي "الجرح والتعديل" (7/85):
" قرئ على العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: فليح بن سليمان ليس بقوي ولا يحتج بحديثه، وهو دون الدراوردي، والدراوردي أثبت منه.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن فليح بن سليمان، فقال: ليس بالقوي".
وسئل أبو زرعة عن فليح؟ فحرك رأسه وقال: واهي الحديث، هو وابنه محمد بن فليح جميعاً واهيان" سؤالات البردعي لأبي زرعة رقم (112).
أقول: وهذا طعن شديد.
وقال الحافظ ابن حجر في فليح: "صدوق كثير الخطأ".
وإذا كان هذا حال فليح بن سليمان وابنه محمد، فلماذا لم يبين حالهما عادل ورفيقه؟ ألا يحتم عليهما واجب النصيحة أن يُبيِّنا حالهما، لا سيما وهذا الحديث يتعلق بأهم العقائد، وعن فعل من أفعال الله جل وعلا وتنـزه عما في هذا الحديث من النكارة.
وثانيتهما- أن في إسناد هذا الحديث اضطرابا.
فتارة يقول فليح وابنه : عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين عن قتادة بن النعمان –رضي الله عنه-.
وتارة يقولان: عن سالم أبي النضر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن قتادة –رضي الله عنه-.
وتارة عن سالم أبي النضر عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد عن قتادة -رضي الله عنه-.
وهذا الاضطراب مما يؤكد ضعفهما الشديد وضعف هذا الحديث.
فلماذا تجاهل المحققان -أيضاً- هذا الاضطراب الذي يزيد الحديث ضعفاً على ضعف، ونكارة على نكارة؟
نقد عمل المحققين
1- قال المحققان عادل وقرينه في تعليقهما على كلام المؤلف الدشتي (ص186)([2]):
"(1) رواه عن قتادة بن النعمان –رضي الله عنه- كلٌّ من:
1- عبيد بن حنين: يرويه إبراهيم الحزامي، عن محمد بن فليح عن أبيه عن سعيد ابن الحارث عن عبيد بن حنين به.
-رواه عن إبراهيم الحزامي كل من:
أ- ابن أبي عاصم في "السنة" (580)، ومن طريقه أبو نعيم في "المعرفة" (5752)، وابن منده في "المعرفة" (2/132/1تخريج السنة)؛ لكن سقط من الإسناد "فليح بن سليمان"، والصواب إثباته.
ب- ت-ث- جعفر بن سليمان، وأحمد بن رشدين، وأحمد بن داود.
رواه عن الثلاثة الطبراني في "الكبير" (19/13) (18)، وعنه أبو نعيم في "المعرفة" (5752).
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد (8/100):
"رواه الطبراني عن مشايخ ثلاثة : جعفر بن سليمان النوفلي، وأحمد بن رشدين المصري، وأحمد بن داود المكي، فأحمد بن رشدين ضعيف، والاثنان لم أعرفهما، وبقية رجاله رجال الصحيح"اهـ.
كذا قال، وأحمد بن داود: وثّقه ابن يونس في "تاريخ مصر" (وفيات 282 من تاريخ الذهبي)".
أقول:
أ- هذا الكلام على طوله لا فائدة فيه؛ لأنه لا يفيد صحة هذا الحديث المنكر.
ب- رجعتُ إلى كتاب "المعرفة" لأبي نعيم، حديث رقم (5752)، فوجدته قد قال:
" حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا جعفر بن سليمان ، ثنا إبراهيم بن المنذر ، ثنا محمد بن فليح بن سليمان ، عن أبيه ، عن سعيد بن الحارث ، عن عبيد بن حنين ، ح ، وحدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، ثنا إبراهيم بن المنذر ، قرأه في كتابي ، قال: ثنا محمد بن فليح ، عن سعيد بن الحارث ، عن عبيد بن حنين ، قال : بينا أنا جالس، إذ جاءني قتادة بن النعمان ، فقال لي : « انطلق بنا يا ابن حنين إلى أبي سعيد الخدري ، فإني قد أُخبرت أنه ، قد اشتكى ، فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد ، فوجدناه مستلقيا رافعا رجله اليمنى على اليسرى، فسلمنا وجلسنا ، فرفع قتادة بن النعمان يده إلى رجل أبي سعيد فقرصها قرصة شديدة ، فقال أبو سعيد : سبحان الله، يا ابن أم ، أوجعتني ، فقال له : ذلك أردت ، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك، وذكر كلاما.
فالقارئ يرى أن هذا النص في كتاب "المعرفة" خالٍ من الكلام الغريب المنكر، الذي يدندن حوله عادل: "إن الله -عز وجل- لما قضى خلقه استلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى".
فمن العجائب أن يحيل عادل إلى كتاب أبي نعيم، والواقع أن النصَّ فيه خالٍ من هذه الجملة الغريبة المنكرة، أليس هذا العمل من التلبيسات المذمومة؟
ج- وأما ابن منده فقد بحثتُ عن هذا النص في كتابه "المعرفة" فلم أجده، ووجدتُ فيه في (1/321) حديثاً يرويه بإسناده إلى عباد بن تميم عن أبيه وعمه: "أنهما رأيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضطجعاً على ظهره، رافعاً إحدى رجليه على الأخرى".
2- قال المحققان في تعليقهما على كلام الدشتي (ص186):
"هـ- أحمد بن الحسين الرقي([3]).
عنه أبو بكر الخلال، ذكره أبو يعلى في "إبطال التأويلات" (179و 183).
قال الذهبي في "العلو" (110): رواته ثقات.
وقال ابن القيم في "اجتماع الجيوش" (ص107-108): إسناده صحيح على شرط البخاري".
قولهما-: "قال الذهبي في "العلو" (110): "رواته ثقات"([4]).
أقول: إن النص الذي وثّق رواته الذهبي بعيد كل البعد عن النص الذي يريدان تمشيته.
فالذهبي قال في "العلو" (1/524) رقم (110):
"حديث قتادة بن النعمان سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه"، رواته ثقات، رواه أبو بكر الخلال في كتاب السنة له".
فهذا النص مع ضعف إسناده يمكن الاستئناس به؛ لأنه لائق بجلال الله وعظمته، ويؤمن بمعناه أهل السنة؛ لأنه يوافق نصوص القرآن والسنة، وإن كان الذهبي قد تساهل في قوله: رواته ثقات.
فكم هو الفرق بين النصين.
وقول المحققين :
"وقال ابن القيم في "اجتماع الجيوش" (ص107-108): إسناده صحيح([5]) على شرط البخاري".
أقول: نعم، قال الإمام ابن القيم هذا الكلام في "اجتماع الجيوش الإسلامية"، لكنه على قول قتادة بن النعمان -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه".
وهذا كلام يليق بجلال الله تبارك وتعالى، وإن تساهل الإمام ابن القيم في قوله: إسناده صحيح.
أما النص المنكر الذي تجهدان في تصحيحه، فقد استنكره الإمام ابن القيم، وضعّفه، وبيّن سبب ضعفه.
فقال في كتابه "شرح تهذيب السنن بحاشية عون المعبود" للعظيم آبادي (13/214):
" وأما الحديث الذي رواه الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق الصاغاني عن إبراهيم بن المنذر الحزامي عن محمد بن فليح عن أبيه عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين قال: بينما أنا جالس في المسجد إذ جاءه([6]) قتادة بن النعمان فجلس فتحدث فثاب إليه أناس ثم قال: انطلق بنا إلى أبي سعيد الخدري، فإني قد أُخبرت أنه قد اشتكى، فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد الخدري، فوجدناه مستلقيا واضعاً رجله اليمنى على اليسرى فسلمنا وجلسنا، فرفع قتادة يده إلى رِجل أبي سعيد الخدري فقرصها قرصة شديدة.
فقال أبو سعيد: سبحان الله، يا ابن أم أوجعتني، قال: ذلك أردت، -فذكر حديث الاستلقاء- وقال فيه: لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل مثل هذا.
فهذا الحديث له علتان:
إحداهما- انفراد فليح بن سليمان به.
وقد قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: فليح بن سليمان لا يحتج بحديثه، وقال في رواية عثمان الدارمي: فليح بن سليمان ضعيف.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
والعلة الثانية- أنه حديث منقطع، فإن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر، وصلى عليه عمر.
وعبيد بن حنين مات سنة خمس ومائة، وله خمس وسبعون سنة في قول الواقدي وابن بكير، فتكون روايته عن قتادة بن النعمان منقطعة والله أعلم"([7]).
هذا كلام الإمام ابن القيم –رحمه الله- في هذا الحديث المنكر.
3- قال المحققان في تعليقهما على كلام الدشتي (ص186-187):
"و- محمد بن إسحاق الصاغاني. رواه عنه الحسن بن محمد الخلال، ذكره أبو يعلى في "إبطال التأويلات" (182).
قال أبو محمد الخلال: هذا حديث إسناده كلهم ثقات، وهم مع ثقتهم على شرط الصحيحين مسلم والبخاري. "إبطال التأويلات" (ص189)".
أقول: إن كلام أبي محمد الخلال هذا لا يسلم له، فقد عرفتَ ضعف فليح وابنه مما سبق ومن كلام الإمام ابن القيم -رحمه الله-.
4- قال عادل في تعليقه على كلام الدشتي (ص187):
" ورواه البيهقي في "الأسماء" (761)؛ لكنه قال: هذا حديث منكر.
قلت: وهذا مما أملته عليه أشعريته، وقد ردّ عليه ابن القيم -رحمه الله- في "الصواعق" (4/1527) كما سيأتي".
أقول: إن الإمام ابن القيم قد ردّ هنا على الجهمية عموم تأويلاتهم، لا بخصوص حديث الاستلقاء، ثم ذكر حديث الاستلقاء أثناء هذا الرد، ولقد عرف القارئ أن الإمام ابن القيم قد ضعّف هذا الحديث.
والذي يترجح لي أن تضعيفه هو في المرحلة الأخيرة، وهو الصواب، وذكره خلال رده على الجهمية غير صواب سواء تقدّم أو تأخر.
5- قال عادل في تعليقه على كلام الدشتي (ص187):
"2- سعيد بن يسار أبو الحباب.
يرويه: ابن الأصفر، عن إبراهيم الحزامي، عن محمد بن فليح، عن أبيه، عن سالم أبي النضر،عن سعيد بن يسار أبي الحباب به. رواه الحكم بن معبد، ذكره ابن المحب في "الصفات" (1/241/أ)".
أقول: قد أسلفنا بيان فقدان إسناد أبي موسى إلى ابن الأصفر، وأسلفنا بيان ما في إسناد هذا الحديث من الاضطراب، وما في متنه من النكارة.
فمن العجائب أن يحتج هذان الرجلان بحديث هذا حاله.
6- قال المحققان([8]) في تعليقهما على كلام الدشتي (ص187):
"4- أبو النضر، يرويه ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي النضر به.
رواه أحمد في "المسند (3/42)، قال الهيثمي في "المجمع" (8/100): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح؛ إلا أن أبا النضر لم يسمع من أبي سعيد.اهـ
ورواه الحارث بن أبي أسامة (زوائده/861) كلاهما عن يونس، عن ليث به.
ورواه أحمد بن منيع (المطالب العالية/2830) عن أبي العلاء الحسن، عن ليث به. قال البوصيري "المجردة" (2/158): رواه ابن منيع، والحارث، وأحمد بسند صحيح".
أقول: روى الإمام أحمد حديث أبي النضر، ولكنه غير حديث الاستلقاء، وإنما فيه النهي عن وضع إحدى الرجلين على الأخرى.
وليس فيه: إن الله استلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى.
وهذا نص الحديث عند الإمام أحمد.
قال –رحمه الله- في "المسند" (3/42):
"حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ كَانَ يَشْتَكِي رِجْلَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ وَقَدْ جَعَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَضَرَبَهُ بِيَدِه عَلَى رِجْلِهِ الْوَجِعَةِ فَأَوْجَعَهُ فَقَالَ: أَوْجَعْتَنِي، أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رِجْلِي وَجِعَةٌ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ نَهَى عَنْ هَذِهِ".
فيرى القارئ أن الإسناد غير إسناد قتادة بن النعمان، وأن المتن غير المتن، وليس فيه ذكر استلقاء الله تعالى.
وهو كذلك في زوائد "مسند الحارث" برقم (861) إسناداً ومتناً.
وهذا مما يؤكد الضعف الشديد في لفظ الاستلقاء...الخ، الذي لا يليق بجلال الله.
فإحالتهما على مسند الإمام أحمد وزوائد مسند الحارث من المغالطات القبيحة.
7- قال عادل أو رفيقه في تعليقه على كلام الدشتي في (ص187-188):
"5- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: ذكره أبو موسى كما سبق، ولم أقف عليه.
قال ابن المحب ["الصفات" (1/241ب)]: وسئل أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الشافعي عن هذا الحديث فقال: قال كثير من الحفاظ: لا يصح هذا الحديث.اهـ.
قلت: لكن كلام الحافظ أبي موسى المديني على الحديث أمتن وأقوى، حيث ذكر حديث قتادة بن النعمان، وذكر طرقه، ومن حدّث به من الحفاظ، وذكر شواهده، ثم قال: ورواة هذا الحديث من طريق قتادة وشداد عامتهم من رجال الصحيح. وانظر كلامه في المتن".
أقول: 1- قد سبق بيان أنه ليس لأبي موسى أسانيد إلى كل الرواة الذين ذكر أنهم رووا هذا الحديث عن إبراهيم بن المنذر، فكيف يكون كلامه أمتن وأقوى، وهذا واقعه؟، نعوذ بالله من الهوى.
2- إن الكثير من الحفاظ الذين ضعّفوا حديث الاستلقاء لعلى الحق والصواب، وإنهم لعلى منهج السلف في نقد إسناد هذا الحديث ومتنه المنكر الذي لا يليق بجلال الله.
3- من روى حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة؟ وما إسناده؟ وما هو لفظه؟، وفي أيٍّ من مصنفات الأئمة هو؟
فأي قيمة لرواية هذه شأنها؟
4- وقول الإمام أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي جواباً لمن سأله عن هذا الحديث المنكر، فقال: قال كثير من الحفاظ: لا يصح.
أقول: كان هذا الجواب من أبي القاسم بأن كثيراً من الحفاظ قالوا: لا يصح هذا الحديث يكفي أن يكون رادعاً لهذين المحققين ولأمثالهما أو لمن عارضه منهما بقوله قلت:
" لكن كلام الحافظ أبي موسى المديني على الحديث أمتن وأقوى".
فليس الأمر كما ذكر هذا المعارض بالهوى.
بل من أين جاءت القوة والمتانة لكلام يفقد صاحبه الأسانيد التي تَسقط المتون بدونها غاية السقوط.
إن ما ذكره أبو موسى المديني([9]) من الأسانيد التي رواها كل من ابن الأصفر ومحمد بن المبارك الصوري ومحمد بن إسحاق الصاغاني ...الخ هذه الأسانيد كلها تدور على فليح بن سليمان وابنه محمد وهما ضعيفان، وقد اضطربا فيها اضطراباً يوهن هذا الحديث، ويدل دلالة واضحة على أنه من أشد المنكرات التي يرفضها منهج السلف القائم على الكتاب والسنن الصحيحة.
هذا بالإضافة إلى أن أبا موسى ليس له أسانيد إلى ابن الأصفر ومن ذكر معه.
وأما قول أبي موسى: "وحدّث به من الحفاظ: عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي عاصم، وأبو القاسم الطبراني".
فأقول: لم نجد رواية عبد الله بن أحمد لهذا الحديث، وما أظن أنه يروي هذا الحديث المنكر.
أما رواية أبي بكر بن أبي عاصم فهي في كتاب "السنة" تحت رقم (568):
فقد قال: "قال أبو إسحاق إبراهيم الحزامي، وقرأت من كتابه ثم مزقه، وقال لي واعتذر إليَّ: حلفت أن لا أراه إلا مزقته، فانقطع من طرف الكتاب عن محمد بن فليح، عن سعيد بن الحارث، عن عبد الله بن مُنين قال: بينا أنا جالس في المسجد إذ جاءه([10]) قتادة بن النعمان فجلس فتحدث ثم ثاب إليه ناس، فقال: انطلق بنا يا ابن منين([11]) إلى أبي سعيد الخدري، فإني قد أُخبرت أنه قد اشتكى، قال: فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد، فوجدناه مستلقيا رافعا إحدى رجليه على الأخرى، فسلمنا وقعدنا، فرفع قتادة يده فقرصه قرصة شديدة، قال أبو سعيد: أوجعتني، قال ذلك أردت، ألم تسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " لما قضى الله خلقه استلقى ثم وضع إحدى رجليه على الأخرى ثم قال: لا ينبغي أن يفعل مثل هذا، قال أبو سعيد: نعم".
فالظاهر أن أبا إسحاق -وهو إبراهيم بن المنذر- إنما مزّق من كتابه هذا الحديث، وحلف أن لا يراه إلا مزّقه؛ لأنه في غاية النكارة.
ثم إن ابن أبي عاصم متساهل، يروي الأحاديث الضعيفة والمنكرة، ومنها هذا الحديث([12]).
والطبراني أشد تساهلاً من ابن أبي عاصم.
قال الخطيب في "الكفاية" (ص141):
"قلت: وأكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كَتْبُ الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا والثابت مصدوفا عنه مطرحا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم ونقصان علمهم بالتمييز وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين والأعلام من أسلافنا الماضين "([13]).
فعلّق الحافظ ابن رجب -رحمه الله- على كلام الخطيب مؤيداً له، فقال في "شرح علل الترمذي" (1/409):
" وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح، كالكتب الستة ونحوها ، ويعتني بالأجزاء الغريبة وبمثل مسند البزار ، ومعاجم الطبراني ، أو أفراد الدارقطني ، وهي مجمع الغرائب والمناكير".
وقال ابن رجب في "شرح العلل" -أيضاً- (1/441):
" قال أبو داود : (( سمعت أحمد - وذكر له حديث بريد هذا - فقال أحمد : يطلبون حديثاً من ثلاثين وجهاً : أحاديث ضعيفة . وجعل ينكر طلب الطرق نحو هذا ، قال : شيء لا ينتفعون به . أو نحو هذا الكلام )) .
وإنما كره أحمد تطلب الطرق الغريبة الشاذة المنكرة([14]) ، وأما الطرق الصحيحة المحفوظة فإنه كان يحث على طلبها كما ذكرناه عنه في أول الكتاب".
وأما حديث شداد فقد ذكره أبو موسى بصيغة التمريض: "رُويَ"، ولم يذكر إسناده ولا متنه، ولا من خرّجه من أئمة الحديث، فلا يبعد أن يكون فيه راوٍ من المتروكين.
فكيف تجزمان بأنه من شواهد حديث قتادة بن النعمان؟، مع أنه من الجائز أن يكون في واد، وحديث قتادة في واد آخر.
ومع جواز أن يكون في إسناده متروك أو كذاب.
وقل مثل ذلك في حديث ابن عباس وكعب بن عجرة، فإنه عبّر عنهما بصيغة التمريض: "رُويَ".
وأما كعب الأحبار فأصله من أهل الكتاب، وهو يروي الإسرائليات، فإن كان قد روى هذا النص المنكر، فيجوز أن تكون روايته أصلاً لروايات كل من ذكرهم أبو موسى.
وما نُسب إلى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- لم أجده في تفسير "سورة طه"، في الموضع الذي ذكره أبو موسى، ولم أجده في عدد من كتب التفسير.
ثم ما الفائدة من سرد أبي موسى لهذه الأقوال التي قامت على راويين ضعيفين.
وعلى روايات أخرى لا زمام لها ولا خطام روى ورُويَ.
ولا ينبغي للمؤمن أن يغامر في نسبة هذا الحديث الشديد النكارة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا سيما وهو في باب الاعتقاد وفي صفات الله -جلَّ وعلا-.
كتبه: ربيع بن هادي عمير المدخلي
18/1/1434هـ
[1] - ابن الأصفر هو: أحمد بن محمد بن الأصفر أبو بكر البغدادي، قال أبو نعيم: (صاحب غرائب عن الحفاظ). وقال الدارقطني: (يروي عن الكوفيين غيره أثبت منه)، أقول: ولا يستبعد أن يكون هذا من غرائبه. انظر: تاريخ أصبهان لأبي نعيم (1/134)، وتاريخ بغداد للخطيب (4/396). أحال على ترجمته أبو عمر أسامة العتيبي.
[2] - أقول هذا بناء على ما وجدته في طرة كتاب الدشتي هذا من الكلام الآتي: "قدّم له وعلّق عليه أبو معاذ مسلط ابن بندر العتيبي وَ أبو عبد الله عادل بن عبد الله آل حمدان". وإنه مع هذا ليغلب على ظني أن هذه التعليقات التي سأناقشها إنما هي تعليقات عادل.
[3] - لم أقف لهذا الرجل على ترجمة بعد بحث.
[4] - في قول الحافظ الذهبي هذا نظر قوي، فإن في إسناده فليح بن سليمان وابنه، وهما ضعيفان، كما بيّنا ذلك فيما سلف.
[5] - في قول الإمام ابن القيم عن هذا الحديث: "إسناده صحيح" نظر، كما بيّنا ذلك قريباً.
[6] - كذا.
[7] - أثبت الحافظ الذهبي في "تذهيب التهذيب" (6/250) روايته عن قتادة بن النعمان، وكذا الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (7/63).
[8]- أو عادل.
[9] - قد بيّنا فيما أسلفنا في (ص9) من هذا المقال تساهل أبي موسى المديني -رحمه الله-.
[10] - كذا.
[11] - الصواب: ابن حنين.
[12] - انظر حديث رقم (3) و (7) و (696) من "السنة" لابن أبي عاصم.
[13] - أقول: لقد وقع التساهل في الجملة من قبل زمان الخطيب.
[14] - وعلى هذا المنهج عادل وشريكه في تحقيق كتاب الدشتي.
http://www.sahab.net/forums/index.ph...attach_id=1045الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فجزى الله شيخنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي خيراً على ما كتب وما بيَّن من زيغ عادل آل حمدان هداه الله ..
وهنا فوائد:
حيث علقت على حديث قتادة بن النعمان مخرجاً ومبيناً بما يلي:
التكملة من المعجم الكبير (19/13)، ورواه عنه أبو نعيم في معرفة الصحابة (رقم5320)، وابن أبي عاصم في السنة (رقم458)، والخلال في كتاب السنة كما في إبطال التأويلات، وأبو يعلى في إبطال التأويلات(رقم179، 182، 183)، والحاكم –كما في حاشية ابن القيم على تهذيب السنن(13/146)-، والبيهقي في الأسماء والصفات (رقم766)، وأبو نصر الغازي في جزء من " الأمالي " (77/1) -كما في السلسلة الضعيفة (رقم755) – كلهم من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي عن محمد بن فليح بن سليمان عن أبيه عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين به.وإسناده ضعيف مضطرب، وهو حديث منكر.قال الإمام أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الشافعي: «قال كثير من الحفاظ: لا يصح هذا الحديث» ذكره ابن المحب في كتاب الصفات(1/241/ب)، وضعفه ابن القيم كما سيأتي.
و قال البيهقي في الأسماء والصفات: «فَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَمْ أَكْتُبْهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ، فَلَمْ يُخْرِجَا حَدِيثَهُ هَذَا فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ الْحُفَّاظِ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ»، وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (رقم755) فقد أوعب الشيخ الألباني الكلام فيه. .
وقد ذكر الذهبي وابن القيم هذا الحديث مختصراً بلفظ: « لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه »، فقال الذهبي في كتاب العلو(ص/63):« حديث قتادة بن النعمان سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه رواته ثقات رواه أبو بكر الخلال في كتاب السنة له»، وقال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية(ص/54) : «وروى الخلال في كتاب السنة بإسناد صحيح على شرط البخاري عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه»، والعجيب أن ابن القيم رحمه الله قال في حاشيته على تهذيب سنن أبي داود(13/147) : «فهذا الحديث له علتان: إحداهما انفراد فليح بن سليمان به، وقد قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: فليح بن سليمان لا يحتج بحديثه، وقال في رواية عثمان الدارمي: فليح بن سليمان ضعيف ، وقال النسائي: ليس بالقوي.
والعلة الثانية أنه حديث منقطع فإن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر وصلى عليه عمر، وعبيد بن حنين مات سنة خمس ومائة وله خمس وسبعون سنة في قول الواقدي وبن بكير فتكون روايته عن قتادة بن النعمان منقطعة والله أعلم».
قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري(3 /285) : «وقال الحكم : سئل أبو مجلز عن الرجل يضع إحدى رجليه على الأخرى ؟ فقال : لا بأس به ، إنما هذا شيء قاله اليهود : أن الله لما خلق السموات والأرض استراح ، فجلس هذه الجلسة ، فأنزل الله عز وجل : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } [ق:38] خرجه أبو جعفر ابن أبي شيبة في ((تاريخه)) .
وقد ذكر غير واحد من التابعين : أن هذه الآية نزلت بسبب قول اليهود : أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع ، منهم : عكرمة وقتادة .
فهذا كلام أئمة السلف في إنكار ذلك ونسبته إلى اليهود ، وهذا يدل على أن الحديث المرفوع المروي في ذلك لا أصل لرفعه ، وإنما هو متلقى عن اليهود ، ومن قال : أنه على شرط الشيخين فقد أخطأ . وهو من رواية محمد بن فليح بن سليمان ، عن أبيه ، عن سعيد بن الحارث ، عن عبيد بن حنين : سمع قتادة بن النعمان يحدثه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى قول أبي مجلز . وفي آخره : وقال عز وجل : ((إنها لا تصلح لبشر)) . وعبيد بن حنين ، قيل : أنه لم يسمع من قتادة بن النعمان - قاله البيهقي . وفليح ، وإن خرج له البخاري فقد سبق كلام أئمة الحفاظ في تضعيفه ، وكان يحيى بن سعيد يقشعر من أحاديثه ، وقال أبو زرعة - فيما رواه عنه سعيد البرذعي - : فليح واهي الحديث ، وابنه محمد واهي الحديث . ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه أنه قال : ((إنها لا تصلح لبشر)) لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان قد انتسخ فعله الأول بهذا النهي لم يستمر على فعله خلفاؤه الراشدون الذين هم أعلم أصحابه به ، وأتبعهم لهديه وسنته .
وقد روي عن قتادة بن النعمان من وجه أخر منقطع، من رواية سالم أبي النضر، عن قتادة بن النعمان - ولم يدركه -، أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه نهى عن ذلك .خرجه الإمام أحمد .
وهذا محتمل ، كما رواه عنه جابر وغيره . فأما هذه الطامة ، فلا تحتمل أصلاً...» انتهى.
ورواي الحديث إبراهيم بن المنذر قد رجع عن رواية هذا الحديث كما يفهم من قول ابن أبي عاصم في السنة: «قال أبو إسحاق إبراهيم الحزامي- وقرأت من كتابه ، ثم مزقه وقال لي ، واعتذر إلي : حلفت أن لا أراه إلا مزقته ، فانقطع من طرف الكتاب -».
وقد روى إسحاق في مسنده –كما في المطالب العالية (رقم3820) عن النضر بن شميل، ثنا عبد الجليل وهو ابن عطية ثنا أبو مجلز، قال: إن عمر بن الخطاب «استلقى في حائط من حيطان المدينة، فوضع إحدى رجليه على الأخرى، وكانت اليهود تفتري على الله عز وجل يقولون: إن الله تبارك وتعالى فرغ من الخلق يوم السبت، ثم تروح فقال الله عز وجل: ﴿ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب﴾، فكان أقوام يكرهون أن يضع إحدى رجليه على الأخرى حتى صنع عمر».
وروى عبدالله بن الإمام أحمد في كتاب السنة(2/526رقم1209) عن عبيد الله بن عمر القواريري نا جعفر بن سليمان عن أبي سفيان السعدي قال رأيت الحسن قد وضع رجل يمينه على شماله وهو قاعد قال قلت يا أبا سعيد تكره هذه القعدة قال فقال الحسن قاتل الله اليهود {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} فعرفت ما عنى فسكت. وإسناده حسن إلى أبي سفيان السعدي وهو ضعيف الرواية لغفلته وسوء حفظه، لكن هذا الأثر إنما يحكيه عن سؤال وقع منه للحسن، فهي قصة يغلب على الظن حفظه لها، لا سيما وقد اعتمدها عبدالله بن الإمام أحمد في كتاب السنة في الرد على الجهمية، لأنهم يزرون على أهل السنة بنسبة الاستلقاء إلى الله عز وجل، وقد ذكر ابن الجوزي عن عبدالله بن الإمام أحمد أنه قال: «ما رأيت هذا الحديث في ديوان من دواوين الشريعة المعتمد عليها».
ووضع الرجلين إحداهما على الأخرى مستلقياً قد ورد النهي عنه، ووردت إباحته:
أما النهي: 1-فقد روى مسلم في صحيحه(رقم2099) عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَسْتَلْقِيَنَّ أحدكم ثُمَّ يَضَعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ على الْأُخْرَى»، وفي لفظ: « ولا تَضَعْ إِحْدَى رِجْلَيْكَ على الْأُخْرَى إذا اسْتَلْقَيْتَ».
2-وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار(4/277) ، وابن حبان في صحيحه(رقم5554)، والطبراني في الأوسط(3/161) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَسْتَلْقِيَ الرَّجُلُ وَيَثْنِيَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى» زاد الطبراني: «في الصلاة». وسنده صحيح.
3-وروى الإمام أحمد(3/42)، وأحمد بن منيع في مسنده- كما في المطالب العالية(12/161) -، والحارث بن أبي أسامة في مسنده(2/823-بغية الباحث)، عن أبي النَّضْرِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخدري كان يشتكي رِجْلَهُ فَدَخَلَ عليه أَخُوهُ وقد جَعَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ على الأُخْرَى وَهُو مُضْطَجِعٌ فَضَرَبَهُ بيده على رِجْلِهِ الوَجِعَةِ فَأَوْجَعَهُ فقال أوجعتني أو لم تَعْلَمْ ان رجلي وَجِعَةٌ قال بَلَى قال فما حَمَلَكَ على ذلك قال أَوَلَمْ تَسْمَعْ ان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن هذه». قال الهيثمي في مجمع الزوائد(8/100): « ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا النضر لم يسمع من أبي سعيد» فهو سند منقطع، ولكنه النهي ثابت صحيح.
4-وروى الدارمي في سننه(رقم3494) حدثنا جَعْفَرُ بن عَوْنٍ ثنا إِبْرَاهِيمُ الْهَجَرِيُّ عن أبي الْأَحْوَصِ عن عبد اللَّهِ قال لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَضَعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ على الْأُخْرَى يَتَغَنَّى وَيَدَعُ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فإن الشَّيْطَانَ يَفِرُّ من الْبَيْتِ يُقْرَأُ فيه سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَإِنَّ أَصْفَرَ الْبُيُوتِ لجوف يَصْفَرُ من كِتَابِ اللَّهِ». وسنده ضعيف: إبراهيم الهجري ضعيف.
5- وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار(4/277) عن أبي وَائِلٍ قال كان الأَشْعَثُ وَجَرِيرُ بن عبد اللَّهِ وَكَعْبٌ قُعُودًا فَرَفَعَ الأَشْعَثُ إحْدَى رِجْلَيْهِ على الأخرى وهو قَاعِدٌ فقال له كَعْبُ بن عُجْرَةَ ضُمَّهَا فإنه لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ. وإسناده صحيح.ورواه ابن أبي شيبة في المصنف(6/204)، عن عبدالله بن مرة بنحوه مختصراً.
وأما الإباحة: فقد روى البخاري(رقم463، 5624، 5929)، ومسلم(رقم2100) «عن عَبَّادِ بن تَمِيمٍ عن عَمِّهِ[عبدالله بن زيد المازني]: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا في الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ على الْأُخْرَى. وَعَنْ ابن شِهَابٍ عن سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ قال كان عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلَانِ ذلك» انتهى من صحيح البخاري. ورواه عبدالرزاق عن معمر في جامعه(11/167)، ومن طريقه أبو عوانه في مستخرجه(5/270) وغيره بعد رواية حديث عباد بن تميم: قال الزهري: «وجاء الناس بأمر عظيم» فلعله يعني ما يذكر في الاستلقاء والله أعلم.
وثبت فعل الاستلقاء بوضع رجلٍ على الأخرى عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن عمر، وأنس، وأسامة بن زيد، وابن مسعود رضي الله عنهم . وفي الجمع بين النصوص :
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار(4/279): «مَعْنَى هذا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أنها لاَ تَصْلُحُ لِبَشَرٍ لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، لِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قد جاء ما ذَكَرْنَاهُ في الْفَصْلِ الثَّانِي من إبَاحَتِهَا بِاسْتِعْمَالِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهَا، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الأَمْرَيْنِ قد نَسَخَ الآخَرَ، فلما وَجَدْنَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم وَهُمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ على قُرْبِهِمْ من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَعِلْمِهِمْ بِأَمْرِهِ قد فَعَلُوا ذلك بَعْدَهُ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ جميعاً، وَفِيهِمْ الذي حَدَّثَ بِالْحَدِيثِ الأَوَّلِ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الْكَرَاهَةِ فلم يُنْكِرْ ذلك أَحَدٌ منهم، ثُمَّ فَعَلَهُ عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وابن عُمَرَ وَأُسَامَةُ بن زَيْدٍ وَأَنَسُ بن مَالِكٍ صلى الله عليه وسلم ، فلم يُنْكِرْ عليهم مُنْكِرٌ؛ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ هذا هو ما عليه أَهْلُ الْعِلْمِ من هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ الْمَرْفُوعَيْنِ، وَبَطَلَ بِذَلِكَ ما خَالَفَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبَيَّنَّا، وقد روى عن الْحَسَنِ في ذلك ما يَدُلُّ على غَيْرِ هذا الْمَعْنَى» ثم روى بسند صحيح عن عقيل: قِيلَ لِلْحَسَنِ: قد كان يُكْرَهُ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ إحْدَى رِجْلَيْهِ على الأخرى. فقال الْحَسَنُ: «ما أَخَذُوا ذلك إلَّا عن الْيَهُودِ». «فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كان من شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام كَرَاهَةُ ذلك الْفِعْلِ، فَكَانَتْ الْيَهُودُ على ذلك، فَأَمَرَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاتِّبَاعِ ما كَانُوا عليه، لِأَنَّ حُكْمَهُ أَنْ يَكُونَ على شَرِيعَةِ النبي الذي كان قَبْلَهُ حتى يُحْدِثَ اللَّهُ له شَرِيعَةً تَنْسَخُ بِشَرِيعَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلاَفِ ذلك، وَبِإِبَاحَةِ ذلك الْفِعْلِ لَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ عز وجل له ما قد كان حَظَرَهُ على من كان قَبْلَهُ».
وقال البغوي في شرح السنة(2/378) : «موضع النهي - والله أعلم - أن ينصب الرجل ركبته فيعرض عليها رجله الأخرى ولا إزار عليه أو إزاره ضيق ينكشف معه بعض عورته فإن كان الإزار سابغا بحيث لا تبدو منه عورته فلا بأس».
وقال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة(1/849) : «كان القوم يأتزرون والمؤتزر إذا رفع إحدى رجليه على الأخرى لا يأمن أن تنكشف عورته فإن كان لابس سراويل، أو يأمن انكشاف عورته فلا بأس في ذلك».