بسم الله الرحمن الرحيم
النقول المفيدة من كلام علي -رضي الله عنه - في آلية البيعة، والثناء على الخلفاء الراشدين والصحابة وأهل الشام من كتاب (نهج البلاغة)
أولا: عدم صحة نسبة الكتاب لأمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-:
يقول ابن تيمية-رحمه الله-:
وَإِنَّمَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " وَأَمْثَالِهِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَكْثَرَ خُطَبِ هَذَا الْكِتَابِ مُفْتَرَاةٌ عَلَى عَلِيٍّ، وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ غَالِبُهَا فِي كِتَابٍ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا لَهَا إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ. فَهَذَا الَّذِي نَقَلَهَا مِنْ أَيْنَ نَقَلَهَا؟ . وَلَكِنَّ هَذِهِ الْخُطَبَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ عَلَوِيٌّ أَوْ عَبَّاسِيٌّ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ سَلَفِهِ ادَّعَى ذَلِكَ قَطُّ، وَلَا ادَّعَى ذَلِكَ لَهُ، فَيُعْلَمُ كَذِبُهُ. فَإِنَّ النَّسَبَ يَكُونُ مَعْرُوفًا مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِفَرْعِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَنْقُولَاتِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً مَعْرُوفَةً عَمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ حَتَّى تَتَّصِلَ بِنَا. فَإِذَا صَنَّفَ وَاحِدٌ كِتَابًا ذَكَرَ فِيهِ خُطَبًا كَثِيرَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ تِلْكَ الْخُطَبَ قَبْلَهُ بِإِسْنَادٍ مَعْرُوفٍ، عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ. وَفِي هَذِهِ الْخُطَبِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ قَدْ عَلِمْنَا (1) يَقِينًا مِنْ عَلِيٍّ مَا يُنَاقِضُهَا. وَنَحْنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ، بَلْ يَكْفِينَا الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْخَلْقِ أَنْ يُصَدِّقُوا بِمَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ (2) عَلَى صِدْقِهِ، بَلْ هَذَا مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ، لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُثْبِتَ ادِّعَاءَ عَلِيٍّ لِلْخِلَافَةِ بِمِثْلِ حِكَايَةٍ (3) ذُكِرَتْ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ ; لَمَّا كَثُرَ الْكَذَّابُونَ (4) عَلَيْهِ، وَصَارَ لَهُمْ دَوْلَةٌ تَقْبَلُ مِنْهُمْ (5) مَا يَقُولُونَ، سَوَاءً كَانَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مَنْ يُطَالِبُهُمْ بِصِحَّةِ النَّقْلِ. وَهَذَا الْجَوَابُ عُمْدَتُنَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَفِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. ا.هــــــ منهاج السنة 7/ 86- 87
وقال كذلك:
وَأَيْضًا فَأَكْثَرُ الْخُطَبِ الَّتِي يَنْقُلُهَا صَاحِبُ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَلُّ وَأَعْلَى قَدْرًا مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ وَضَعُوا أَكَاذِيبَ وَظَنُّوا أَنَّهَا مَدْحٌ، فَلَا هِيَ صِدْقٌ وَلَا هِيَ مَدْحٌ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ كَلَامَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ فَوْقَ كَلَامِ الْمَخْلُوقِ، فَقَدْ أَخْطَأَ. وَكَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوْقَ كَلَامِهِ، وَكِلَاهُمَا مَخْلُوقٌ.
وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ كَلَامِ ابْنِ سَبْعِينَ الَّذِي يَقُولُ: هَذَا كَلَامُ بَشِيرٍ (3) يُشْبِهُ بِوَجْهٍ مَا كَلَامَ الْبَشَرِ، وَهَذَا يَنْزِعُ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَ اللَّهِ مَا فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ.
فَجَعَلُوهُ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ، وَمِنْهُ مَا يُحْكَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ كَلَامٌ حَقٌّ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، وَلَكِنْ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ.
وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ " الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ " لِلْجَاحِظِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ كَلَامٌ مَنْقُولٌ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ، وَصَاحِبُ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " يَجْعَلُهُ عَنْ عَلِيٍّ.
وَهَذِهِ الْخُطَبُ الْمَنْقُولَةُ فِي كِتَابِ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ كَلَامِهِ ; لَكَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ هَذَا الْمُصَنَّفِ، مَنْقُولَةً عَنْ عَلِيٍّ بِالْأَسَانِيدِ وَبِغَيْرِهَا. فَإِذَا عَرَفَ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْمَنْقُولَاتِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا - بَلْ أَكْثَرَهَا - لَا يُعْرَفُ قَبْلَ هَذَا، عُلِمَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ، وَإِلَّا فَلْيُبَيِّنِ النَّاقِلُ لَهَا فِي أَيِّ كِتَابٍ ذُكِرَ ذَلِكَ؟ وَمَنِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ؟ وَمَا إِسْنَادُهُ؟ وَإِلَّا فَالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةُ لَا يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ.
وَمَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِمَعْرِفَةِ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمَعْرِفَةِ الْآثَارِ وَالْمَنْقُولِ بِالْأَسَانِيدِ، وَتَبَيُّنِ صِدْقِهَا مِنْ كَذِبِهَا، عَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْقُلُونَ مِثْلَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْمَنْقُولَاتِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا. ا.هـ المرجع السابق 8/ 55- 56.
قلت عاصم: ومن أراد التوسع فليرجع لكتاب الشيخ العالم صالح بن فوزان الفوزان -وفقه الله- في كتابه (البيان لأخطاء بعض الكتاب) تحت فصل بعنوان ((رد ما توهمه الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو من صحة نسبة ما في كتاب " نهج البلاغة " إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب))
ولتحميل الكتاب : اضغط هنا
ولبقية كتب الشيخ انظر: هنا
ولينظر كذلك مقدمة : تشريح شرح نهج البلاغة، ورابطه في آخر المشاركة.
وأهل السنة مع عدم تثبيتهم هذه النسبة لكنهم لم يتوانوا في إقامة الحجة على الخصم بما أعترف به وأقر فإليك هاته النقول النافعة بإذن الله عز وجل:
* تقرير أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- طريقة اختيار الخليفة ، وشرعية الخلفاء الراشدين قبله:
جاء في نهج البلاغة:
إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالاْنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لله رِضىً، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْبِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَاخَرَجَ منه، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى. ا.هــ 3/ ص7
وقال:
وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الاْمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، [فـ] مَا إِلَى ذلك سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ. ا.هــ 2/ ص86
وقال في لزوم بيعة الخليفة الواحد:
لاِنَّهَا بَيْعَهٌ وَاحِدَةٌ لاَ يُثَنَّى فِيهَا النَّظَرُ (1)، وَلاَ يُسْتَأْنَفُ فِيهَا الْخِيَارُ، الْخَارِجُ مِنْهَا طَاعِنٌ، وَالْمُرَوِّي (2) فِيهَا مُدَاهِنٌ (3). ا.هــ 3/ 8
* عزوفه-رضي الله عنه- عن الخلافة ورفضه لها:
دَعُوني وَالْتَمِسُوا غَيْرِي; فإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ; لاَ تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ، وَلاَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ (1)، وَإِنَّ الاْفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ (2)، وَالْمَحَجَّةَ (3) قَدْ تَنَكَّرَتْ (4).
وَاعْلَمُوا أَنِّي إنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ; وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً، خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً! ا.هــ 1/ 182
وقال:
وَاللهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلاَفَةِ رَغْبَةٌ، وَلاَ فِي الْوِلاَيَةِ إِرْبَةٌ (3)، وَلكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا، وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَمَا وَضَعَ لَنَا، وَأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ، وَمَا اسْتَسَنَّ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَاقْتَدَيْتُهُ..ا.هــ 2/ 184
وقال:
فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ (1) عَلَى أَوْلاَدِهَا، تَقُولُونَ: الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ! قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا، وَنَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا. ا.هــ
قلت عاصم: فهل يقول هذا من كانت الخلافة له واجبا شرعيا ، وهبة إلهية ، وأصلا دينيا يوازي التوحيد والنبوة؟!
* ثناؤه على الصحابة إجمالا وبيان زهدهم وعبادتهم:
لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله)، فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ! لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً (6)، قَدْ بَاتُوا سُجّداً وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ (7) بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَخُدُودِهِمْ، وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ! كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى (1) مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ! إِذَا ذُكِرَ اللهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، وَمَادُوا (2) كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ! ا.هـــ
* ثناؤه على الفاروق عمر -رضي الله عنه-:
لله بلاء عمر، فَلَقَدْ أخمد الفتنة، وَأَقَامَ السُّنَّةَ، وَخَلَّفَ الْفِتْنَةَ (4)! ذَهَبَ نَقِيَّ الثَّوْبِ، قَلِيلَ الْعَيْبِ، أَصَابَ خَيْرَهَا، وَسَبَقَ شَرَّهَا، أَدَّى إِلَى اللهِ طَاعَتَهُ، وَاتَّقَاهُ بِحَقِّهِ،..ا.هـ 2/ 222.
قلت عاصم: هكذا جاء النص في كتاب الموسوي (الشيعة والتصحيح) بالتصريح باسم عمر-رضي الله عنه-، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد وبعض طبعات النهج (فلان)، قال ابن أبي حديد شارحًا:
وفلان المكنى عنه عمر بن الخطاب وقد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر ،حدثنى بذلك فخار بن معد الموسوي الأودى الشاعر.
وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى ابن أبى زيد العلوى ، فقال لى : هو عمر ، فقلت له أيثنى عليه أمير المؤمنين عليه السلام هذا الثناء ؟
فقال : نعم أما الإمامية فيقولون : إن ذلك من التقية واستصلاح أصحابه وأما الصالحيون (1) من الزيديه فيقولون : إنه أثنى عليه حق الثناء ، ولم يضع المدح إلا في موضعه ونصابه .
وأما الجارودية (2) من الزيدية فيقولون : إنه كلام قاله في أمر عثمان أخرجه مخرج الذم له ، والتنقص (3) لأعماله ، كما يمدح الآن الأمير الميت في أيام الأمير الحى بعده ، فيكون ذلك تعريضا به .
فقلت له: ألا إنه لا يجوز التعريض والاستزادة للحاضر بمدح الماضي ، إلا إذا كان ذلك المدح صدقا لا يخالطه ريب ولا شبهة .
فإذا اعترف أمير المؤمنين بأنه أقام السنة وذهب نقى الثوب ، قليل العيب ، وأنه ادى الى الله طاعته واتقاه بحقه فهذا غاية ما يكون من المدح وفيه إبطال قول من طعن على عثمان بن عفان .
فلم يجبنى بشئ وقال هو ما قلت لك .
فاما الراوندي فإنه قال في الشرح: إنه عليه السلام مدح بعض أصحابه بحسن السيرة وأن الفتنه هي التى وقعت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من الاختيار والأثرة.
وهذا بعيد لأن لفظ أمير المؤمنين يشعر إشعارا ظاهرا بأنه يمدح واليا ذا رعية وسيرة، ألا تراه كيف يقول (فلقد قوم الأود وداوى العمد وأقام السنة وخلف الفتنة) وكيف يقول (أصاب خيرها وسبق شرها)؟ وكيف يقول (أدى الى الله طاعته)؟ وكيف يقول رحل وتركهم في طرق متشعبة؟...-إلى أن قال:- والتأويلات الباردة الغثة لا تعجبني، على أنّ أبا جعفر محمد بن جرير الطبري قد صرح أو كاد يصرح بأن المعني بهذا الكلام عمر قال الطبري لما مات عمر بكته النساء فقالت إحدى نوادبه واحزناه على عمر حزنا انتشر حتى ملأ البشر وقالت ابنة أبي حثمة وا عمراه أقام الأود وأبرأ العمد وأمات الفتن وأحيا السنن خرج نقي الثوب بريئا من العيب .قال الطبري فروى صالح بن كيسان عن المغيرة بن شعبة قال لما دفن عمر أتيت عليا ع وأنا أحب أن أسمع منه في عمر شيئا فخرج ينفض رأسه ولحيته وقد اغتسل وهو ملتحف بثوب لا يشك أن الأمر يصير إليه فقال رحم الله ابن الخطاب لقد صدقت ابنة أبي حثمة ذهب بخيرها ونجا من شرها أما والله ما قالت ولكن قولت . وهذا كما ترى يقوي الظن أن المراد والمعني بالكلام إنما هو عمر بن الخطاب . ا.هــــ 12/ص4 - 5
قلت عاصم: وقد أصاب وأجاد ابن أبي حديد (المعتزلي) في محاورته هاهنا لمن أراد تأويل هذا المدح أو إخراجه عن ظاهره.
وقال أيضا وقد استشاره عمر -رضي الله عنه- للخروج إلى الروم:
إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ، فَتَلْقَهُمْ بِشَخْصِكَ فَتُنْكَبْ،لاَ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ (2) دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ، وَلَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلاً مِحْرَباً، وَاحْفِزْ (3) مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاَءِ (4) وَالنَّصِيحَةِ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى، كُنْتَ رِدْءاً للنَّاسِ (5) وَمَثَابَةً (6) لِلْمُسْلِمِينَ.ا.هـ 2/ 28
هامش الغريب في النقل:
2. كانفة: عاصمة يلجأون اليها، من «كنفه» إذا صانه وستره.
3. احفِزْ: أمر من الحفز، وهو الدفع والسَوْق الشديد.
4. أهل البَلاء: أهل المهارة في الحرب مع الصدق في القصد والجراءة في الاقدام. والبَلاء: هو الاجادة في العمل وإحسانه.
5. الرِّدْء ـ بالكسر ـ: الملجأ.
6. المَثابة: المرجع.
* وقال مثنيا على عثمان -رضي الله عنه- عندما نصحه كما زعم صاحب النهج:
إِنَّ النَّاسَ وَرَائي، وَقَدِ اسْتَسْفَرُوني (1) بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ! مَا أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ، وَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَمْر لاَ تَعْرِفُهُ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ، مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْء فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ، وَلاَ خَلَوْنَا بِشَيْء فَنُبَلِّغَكَهُ، وَقَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا، وَسَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا، وَصَحِبْتَ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وآله) كَمَا صَحِبْنَا. وَمَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَلاَ ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَشِيجَةَ (2) رَحِم مِنْهُمَا، وَقَدْ نِلْتَ مَنْ صَهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالاَ. ا.هــ 2/ 48
قلت عاصم: فهل يقول هذا من اطلع على علم الأولين والآخرين ..كما تزعم الرافضة ؟! ثم هل يقول هذا لعثمان -رضي الله عنه- كذبا وتدليسا؟! حاشاه رضي الله عنه، ثم تذكر أخي أننا إنما نخاطب القوم بما رووا وصدقوا واعترفوا بنسبته إليه والله المستعان.
* وقال متبرئا من دمه:
وَلَعَمْرِي، يَا مُعَاوِيَةُ، ... لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَة عَنْهُ، ا.هــ
قلت: سيأتي تبرؤه أيضا في كلامه عمن قاتله من أهل الشام.
* وقال فيمن قاتلهم من أهل الشام:
وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ (1)، وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ، وَدَعْوَتَنَا فِي الاْسْلاَمِ وَاحِدَةٌ، لاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الاْيمَانِ (2) باللهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ (صلى الله عليه وآله)، وَلاَ يَسْتَزِيدُونَنَا، الاْمْرُ وَاحِدٌ، إِلاَّ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ! ا.هــ ص 735 [طبعة أخرى: ت: تبريزيان]
وقال ناصحا وآمرا من سبهم:
إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، وَلكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلاَلَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ (2) عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ (3). ا.هــ [ص 512 ت: تبريزيان]
فتدبر أخي هذه النقول واحفظها عندك تَكُن عونا لك عند نقاش هؤلاء الرافضة الحمقى، فهم يقرون بنسبة هذا المجموع إلى أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-، وأما أهل السنة فلا يصححون هذه النسبة كما سبق، ولكنّا نحاجهم بما يدعون.
فإن قالوا : إنما قال هذا تقية كما أشار ابن أبي حديد كما سبق في الأعلى.
فقل: وبأي شيء كان هذا تقية؟ كيف عرفتم ذلك؟ وما حاجته إلى ذلك؟ ولماذا لا يكون العكس هو الصحيح؟ ..الخ
والشعية قد أصلوا أصولا في شرعتهم ودينهم تقتضي فساد الطريق إلى معرفة حقيقة العلم، والتمييز بين الكذب والحق، وخلعوا أسوار حصونهم للعدو ظنا منهم أن في ذلك تترسهم، فقرروا أصل التقية، وهو على مذهبهم ناقض ومُفنٍ، فكل من شاء دخل وولج، وقال هذا قاله: تقية، وهذا قاله: ديانة، بأي ضابط؟ بالهوى! فلا سبيل إلى الخروج من آلاف المسائل المتضادة عند الشيعة إلا باختراع أصل التقية، ولكنه أرداهم بعد ذلك، فذاك يختار القول الأول، وذاك الثاني ، وهكذا دونما سبيل إلى معرفة الحق من الباطل لأن باب التقية أفسد عليهم دينهم !
فالحمد لله الذي هدانا للحق وبصرنا به، ونعوذ به سبحانه من مضلات الفتن، ونسأله سبحانه العصمة في الدنيا والأخرى والله تالى أعلى وأعلم.
تنبيه: استفدت أصل هذه النقول من كتاب ((مهذب الشيعة والتصحيح - الصراع بين الشيعة والتشيع للدكتور موسى الموسوى)) تهذيب الشيخ العالم سعد الحصين -وفقه الله وختم له بالحسنى- وهذا رابط الكتاب:
http://www.saad-alhusayen.com/files/shia_tasheh.zip ثم راجعت (نهج البلاغة) وزدت بعض الأمور.
ولينظر كذلك بعض الكتيبات المفيدة في الباب: كـ ( تأملات في كتاب نهج البلاغة)
وأما بخصوص شرح ابن ابى الحديد على نهج البلاغة" ما له وما عليه فلينظر : تشريح شرح نهج البلاغة :
http://kabah.info/uploaders/norh/tshreh.pdf